عائلتي كانت من سكان القنيطرة منذ عام 1952. وقت اندلاع الحرب كان عمري 19 عامًا، وكنت أعمل في الخياطة. لوحظت قبل الحرب حالة استنفار وتجهيزات عسكرية؛ حُفرت الخنادق- خصوصًا في المراكز الحسّاسة مثل ساحة العقيد قرب ساحة الضباط-، والناس اهتموا بجمع المؤن. في الصباح سمعت أن الحرب بدأت. تجمهر الناس وطافوا في الشوارع هاتفين: بدنا نحارب.. بدنا نحارب. أول ضربة من قبل العدو كانت موجهة نحو مبنى الأركان. توجّهنا إلى أحد مراكز الجيش كي نحصل على السلاح، وبينما نحن متجمهرون هناك تعرض المركز لقصف من طائرة اسرائيلية، وما زلت أذكر كيف غطّانا الغبار والتراب. بعدها قضينا أيامًا ثلاثة في البيوت أو في الملاجئ. بعد ثلاثة أيام قرّر والدي أن ننتقل إلى مجدل سمس، أعطاني يومها 500 ليرة، واستأجر لنا سيارة (لرجل من بانياس- سيارة لاند روفير). في الطريق كنّا، كلما رأينا طائرة اسرائيلية محلقة، نوقف السيارة وننبطح أرضًا، إلى أن وصلنا مجدل شمس. بعد يومين وصل اليهود إلى مشارف مجدل شمس. ذهبت برفقة بعض الأصدقاء إلى بركة رام كي نتفرّج عليهم، خصوصًا أن قصصًا كثيرة تُحكى عنهم وعن أشكالهم. وعندما لمحونا هناك هجم علينا بعض الجنود منهم وصوّبوا أسلحتهم نحونا، ثمّ أمرونا بالركوع وتعاملوا معنا كأننا أسرى حرب. ظننا أنهم سيطلقون النارعلينا. اقتربوا منا وفتّشونا، ثمّ سلبوا منّا كلّ ما في جيوبنا، حتى ساعاتنا وسلاسلنا وسلبوا مني الخمسمائة ليرة التي أعطاني إياها والدي، وبعد ساعتين من الرعب والخوف أمرونا بأن نغادر راكضين نحو الشرق وأيدينا فوق رؤوسنا. وصلنا مزار اليعفوري وكلّنا أسف على ما خسرناه، فأنا مثلاً كانت خسارتي كبيرة (خمسمائة ليرة سورية في ذلك الوقت كانت مبلغًا كبيرًا)، طبعًا هذا بالإضافة إلى خسارتنا الكبيرة في الحرب. أحد الأصدقاء حضرته فكرة، بأن نُبَرطِلهم بالكرز كي يعيدوا لنا ما سلبوه منا. فعلاً، توجّهنا إلى إحدى الأراضي وقطفنا كمّية من الكرز ثم عدنا إلى الجنود. صوّبوا أسلحتهم علينا مرّة أخرى، أما نحن فصوّبنا نحوهم الكرز.. استهجنوا لهذه الفاكهة الغريبة، ولكي يطمئنوا أمرونا بأكل بعض الحبّات، ثمّ أكلوها كالمجانين. نجحت خطّة الكرز وأعادوا لنا أغراضنا. بعد أن دخل الجيش مجدل شمس، قرر البعض الرحيل عن القرية، لكنّ مجموعة من مشايخ القرية، وعلى رأسهم الشيخ المرحوم أحمد طاهر أبو صالح، وقفوا بطريقهم واعظين إياهم بعدم ترك القرية مهما حصل.
|